الأحد، ١٣ جمادى الأولى ١٤٢٩ هـ

عيني باردة



إيمان القدوسي : بتاريخ 21 - 10 - 2007
العيون أنواع ، هناك عين الحب التي لا تري إلا المحاسن والمزايا كما يقول الشاعر( وعين الرضا عن كل عيب كليلة ) فهي لا تري في المحبوب عيبا ، وعين الكره وهذه بالعكس لا تري إلا المساوئ والعيوب ( ولكن عين السخط تبدي المساويا ) ، هناك أيضا عين الحسود ، تلك العين التي تتمني زوال النعمة وتكره أن تري غيرها يحيا في سعادة وراحة بال .عين الحسود فيها عود وربنا يكفينا شرها،وهي كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( العين حق ) وأمرنا المولي عز وجل في سورة الفلق أن نستعيذ بالله منها ( ومن شر النفاثات في العقد* ومن شر حاسد إذا حسد ) ، والملاحظ أن من تحسد المرأة هي دائما امرأة أخري .!!إذن عدو المرأة ليس هو الرجل بل إنه في الغالب حبيبها ، ففي حياة كل امرأة رجل تحبه وتثق به وتعتبره سندها في الحياة ، قد يكون الأب أو الزوج أو الأخ أو الابن ولم أقابل في حياتي امرأة أيا كان عمرها أو وسطها الاجتماعي تشكو ممن ينغص عليها صفو حياتها إلا وكان الطرف المشكو في حقه هو امرأة أخري ، قد تكون أم الزوج أو أخته أو حلفا قويا يضمهما معا ، وقد تكون وهذه أشد الدرجات ، امرأة أخري في حياة الزوج ، تزوجها أو في طريقه لذلك .أما الشكوي من الحسد فتكون من زوجة أخو الزوج ، أو زوجة الأخ ، أو الجارة ، أو الصديقة ، أو زميلة العمل .فلماذا تسود روح التنافس والغيرة بشكل واضح بين النساء ؟ حتي لو لم يكن بينهن سابق معرفة ؟ مثلا في أي مناسبة اجتماعية مثل حفل زواج أو حتي ندوة أو حفل تكريم إذا دخلت فتاة جميلة سيبدو علي الرجال إجماعهم علي رأي واحد هو تقدير الجمال الذي يدير الرءووس ويرسم البهجة علي الوجوه ، أما النساء فالغالبية ستظهر علامات الامتعاض علي وجوههن وكأنها رسالة توبيخ وشجب لتلك الجميلة ، ومن تعترف بجمالها ستتبع اعترافها بكلمة ( لكن ) ، ( هي حلوة لكن دمها تقيل ) ( لكن ذوقها بلدي ) ( لكن طويلة جدا ) ( لكن قصيرة جدا ) وأكثرهن حنكة ستقول ( كله صناعي يا حبيبتي )حتي في المكاتب الحكومية إذا وقعت يوما في يد موظفة أجدها تعاملني بتعالي ولهجة تسلطية ولا تبدي أي مرونة أو استعداد لتيسير المهمة وكأن لسان حالها يقول لي ( هل تظنين أنني أجلس علي هذا المكتب تاركة بيتي وأطفالي عبثا ، لابد علي الأقل أن يشعر الجميع بأهميتي )السبب الرئيسي يعود لطريقة التربية التي تشعر المرأة منذ الصغر بالتهديد وتبالغ في عقد المقارنات بينها وبين غيرها حتي بين الأخوات الشقيقات ، طوال الوقت تسمع فلانة أجمل ، فلانة أكثر هدوءا وطاعة وتسمع الكلام ، فلانة أشد ذكاء وأشطر ، فلانة أكثر مهارة ، وهكذا يتولد لديها إحساسا بعدم الثقة والتهديد بفقدان المكانة وأن العالم ليس مكانا آمنا بل هو حلبة للصراع والمنافسة ، وبدلا من أن تعمل علي النجاح في حياتها تبدد جزءا كبيرا من جهدها في النيل من الأخريات علي أساس أن هذا سيعزز مكانتها ، وتجدها أكثر ميلا للغيبة وكشف الأسرار والتحاسد والغيرة والتنافس .ثقافة الإسلام ليست تنافسية بل تعاونية يقول صلي الله عليه وسلم ( لاتحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا ) ويقول المولي عز وجل ( إنما المؤمنون إخوة ) وفي الحديث ( لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) والبداية دائما من البيت والتربية في الأسرة ، ليت الطفلة تري العالم مكانا فسيحا آمنا يتسع للجميع وتتفرغ لتحقيق أحلامها المشروعة دون أن تنشغل كثيرا بأحوال غيرها وتتمني من قلبها الخير للجميع .أما عين الحسود فإن الحصن الحصين منها هو طاعة الله والتوكل عليه والالتزام بتلاوة الأذكارو(ماشاء الله لا قوة إلا بالله ) ، كما أن الصدقة علي الجارة الفقيرة المحتاجة تطفئ لهيب الحسد في قلبها وتبدله دعاء لك بالمزيد من الرزق ما دام يعود عليها بالنفع ،والهدايا والسؤال والتزاور مع الأهل فصلة الرحم تبارك في حياتك ، كذلك لا داعي لإظهار النعمة وذكرها أمام من حرم منها فالنفس أمارة بالسوء ، فإذا كانت لك صديقة حرمت من الزوج في حياتها لأي سبب فلا داعي لذكر زوجك والتباهي بحبه لك وما يجلبه لك وسفرك معه وما إلي ذلك ، ولنتأمل فعل وقول نبي الله يعقوب مع ابنه يوسف عليهما السلام ( إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) ( قال يا بني لا تقصص رؤياك علي إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) وأخيرا فإن الشكر لله هو حارس النعمة وعيني عليك باردة